تقرير: الهند تبني قاعدة عسكرية بجزيرة نائية تابعة "لموريشيوس"

تفيد صور ملتقطة بالأقمار الصناعية وبيانات مالية وأدلة ميدانية حصلت عليها وحدة تحقيقات الجزيرة بأن الهند تبني مرفقا عسكريا بحريا على سطح جزيرة نائية تابعة لموريشيوس، اسمها أغاليغا.

ويقول خبراء عسكريون -قاموا بتحليل الأدلة المتوفرة لدى الجزيرة- إن مدرجا جويا أُنشئ حديثا من المؤكد أنه سيستخدم لمهمات رقابية بحرية تقوم بها القوات البحرية الهندية.

وفي تصريح للجزيرة، يقول أبيشيك ميشرا، الزميل في مؤسسة أبحاث أوبزرفر (أو آر إف) في نيودلهي، "إنه مرفق استخباراتي للهند لتوفير تواجد جوي وبحري؛ بهدف زيادة عمليات الاستطلاع في جنوب غربي المحيط الهندي وقناة موزمبيق، وسيوفر موقعا مفيدا للاتصالات وجمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية".
مرفآن ومدرج جوي
وظهرت الإشاعات والتقارير الإعلامية حول القاعدة العسكرية أول مرة عام 2018، ولكن موريشيوس والهند نفتا أن يكون مشروع البناء لأغراض عسكرية، وقالتا إن البنية التحتية ستكون فقط لخدمة سكان الجزيرة.

وتكشف صور الأقمار الصناعية أن جزيرة أغاليغا -التي تقع على بعد 1100 كيلومتر من جزيرة موريشيوس الرئيسية، ويقطنها نحو 300 شخص- شهدت إنشاء مرفأين ضخمين ومدرج جوي يزيد طوله على 3 كيلومترات.

وفي إشارة إلى طائرة "بي-81" (P-81) الهندية للاستطلاع الجوي، التي يمكن أن تستخدم في الرقابة والمعارك لإطلاق صواريخ جو-أرض وصواريخ مضادة للغواصات؛ يقول ميشرا إنه "بناء على معلوماتي الشخصية ومحادثاتي مع جميع هؤلاء الناس في محيطي، فإن القاعدة ستستخدم لإرساء سفننا، في حين يستخدم المدرج الجوي على الأغلب من قبل طائرات بي-81".

الطائرات التي ترغب حاليا في الهبوط في أغاليغا تستخدم مدرجًا قصيرًا طوله 800 متر، ويكفي فقط لطائرات حرس السواحل المروحية التابعة لموريشيوس.

أما المدرج الجديد -الذي ما يزال قيد الإنشاء- فهو بطول المدارج التي تستخدمها أكبر الطائرات في العالم بالمطارات الدولية الضخمة.

نقطة ساخنة
وفي تصريح للجزيرة، قال صموئيل باشفيلد، الباحث في كلية الأمن الوطني التابعة للجامعة الوطنية بأستراليا، إن المحيط الهندي يتحول بشكل متزايد إلى نقطة ساخنة للبلدان، بهدف توسيع نفوذها الجيوسياسي.

وأضاف أن "جنوب غرب المحيط الهندي حيّز من المهم بالنسبة للهند أن تكون لها فيه مساحات تتمكن فيها طائراتها من دعم سفنها، وأن تتوفر لديها مساحات بإمكانها استخدامها كمنصات انطلاق لعملياتها".

وقال باشفيلد -الذي يركز بحثه على القضايا الإستراتيجية والجيوسياسية في المحيط الهندي- "أظن أنه كإضافة للنقاط الأخرى للهند التي بإمكانها أن تعمل منها، فإن هذه المنطقة بالغة الأهمية، وأعتقد أنها بقعة مثالية تماما لإقامة قاعدة عسكرية".

وباستخدام بيانات شحن بحري، تمكنت الجزيرة من تعقب ما يزيد على 10 سفن شحن كبيرة شدت الرحال من موانئ هندية إلى أغاليغا لنقل مواد بناء.

وتظهر الصور والبيانات كيف أصبحت الجزيرة على مدى العامين الماضيين مقرا للمئات من عمال البناء الذي يعيشون في معسكر شبه دائم في الطرف الشمالي من الجزيرة، التي يبلغ طولها 12 كيلومترا.

دوريات بحرية
ويتم إنشاء البنية التحتية في أغاليغا بناء على صفقة أبرمت عام 2015 بين حكومتي موريشيوس والهند.

حيث اتفق البلدان على "إقامة وتطوير البنية التحتية لتحسين التواصل البحري والجوي في الجزيرة النائية التابعة لموريشيوس، مما سيقطع شوطا بعيدا في تحسين ظروف الحياة لسكان هذه الجزيرة النائية"، وفي تحسين المرافق التي يستخدمها حرس السواحل التابع لموريشيوس.

وفي مايو/أيار 2021، أثناء جلسة للبرلمان، نفى رئيس وزراء موريشيوس نفيا قاطعا أن يكون البناء لأغراض عسكرية، وقال "دعوني أكرر، وبشكل قاطع تماما وبكل وضوح، أنه لا توجد اتفاقية بين موريشيوس والهند لإقامة قاعدة عسكرية في أغاليغا". إلا أنه وطبقًا لحسابات باشفيلد هذه ليست الحقيقة الكاملة.

ويقول باشفيلد إن "الغرض من المرافق هو السماح للجيش الهندي، وكذلك حرس السواحل التابع لموريشيوس، بالوصول إلى هذه المنطقة والتمكن من العمل فيها. ولذلك، وبينما حكومة موريشيوس محقة على وجه التأكيد من أن ذلك سيوفر وسيلة تواصل أفضل، فإن ذلك قطعا ليس السبب الحقيقي وراء المشروع.

ويرى ميشرا أنه "لا يوجد سبب حقيقي لتطوير هذه الجزيرة سوى الاستخدام العسكري"، وأن "دافع الهند من إنكار الغرض الحقيقي من المشروع له علاقة على الأغلب بالبصريات".

ويقول "من وجهة النظر الهندية، لا ينبغي أن ينظر إلينا على أننا ندعم العسكرة في منطقتنا، فنحن قلقون من أن الصين تمكنت من الحصول على أول قاعدة لها خارج البلاد عام 2017 في جيبوتي، فإن قمنا بعمل الشيء نفسه سيكون ذلك بمثابة ممارسة للنفاق".

ويضيف أنه "بإمكاننا القول -على الأغلب- إن هذه القاعدة التي من المؤكد أنه ستكون لها بعض الاستخدامات العسكرية، إلا أنها ستستخدم في الأغلب لتحسين الوضع التشغيلي".

في مواجهة الصين
يبدو أن مواجهة توسع الصين في المحيط الهندي هو غاية الهند الأساسية من إقامة هذه المرافق، حيث ترغب في مواجهة القوة الصاعدة للصين.

ويقول باشفيلد إنه "خلال السنوات القليلة الأخيرة، بدأ المحيط الهندي يتحول في طبيعته وبشكل متزايد إلى مكان متعدد الأقطاب".

ويضيف -في إشارة إلى القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، وتمكن الصين من الوصول إلى العديد من الموانئ في المنطقة- "نحن نرى الصين تعمل على تكريس نفوذ أكبر لها، ونرى العديد من المنصات العسكرية الصينية في المحيط الهندي".

ونتيجة لذلك -كما يشرح ميشرا- صعدت الهند مساعيها في هذا المجال كذلك، حيث وفرت أنظمة رادار ساحلية للعديد من البلدان في المنطقة، بما في ذلك المالديف وموريشيوس.

وبوجود مرافق عسكرية في أغاليغا، سيكون بمقدور الهند تعقب السفن التي تقترب من قناة موزامبيق الحيوية.

ويقول ميشرا إن الهدف من اتفاقية جزيرة أغاليغا التي أبرمتها الهند مع موريشيوس "هو أن تكون الجزيرة بمثابة رأس حربة حيوية تتمكن من خلالها الهند من مسح المنطقة بأسرها، إذ إنها ستوفر لها موقعا مفيدا للاتصالات وجمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية".

وتواصلت وحدة التحقيقات مع جميع من وردت أسماؤهم في هذا التحقيق. وعادت حكومة موريشيوس وأكدت موقفها من أنه "لا يوجد اتفاق بين موريشيوس والهند على إقامة قاعدة عسكرية في أغاليغا".

وأضافت أن عبارة "قاعدة عسكرية" يقصد بها "مرفق مملوك ويتم تشغيله من قبل، أو لصالح، المؤسسة العسكرية لإيواء التجهيزات والعناصر العسكرية على أسس دائمة ولأغراض تتعلق بالقيام بعمليات عسكرية".

وصرحت بأن أعمال البناء في أغاليغا صممت لتحسين "مرافق البنى التحتية غير الكافية" في الجزيرة، التي ستبقى "تحت سيطرة سلطات موريشيوس، وأي استخدام لهذه المرافق من قبل أي بلد أجنبي سيخضع لموافقة حكومة موريشيوس".

أما وزارتا الدفاع والشؤون الخارجية في الهند فلم تردا على طلب التعليق على الأمر.

المصدر : الجزيرة

أضف تعليق