أربعة عشر عامًا من التعاون العسكري الدفاعي بين تركيا وقطر

أدى التغيير في نهج السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقارنة بالعقود السابقة إلى زيادة التفاعل بين تركيا والدول الأخرى في المنطقة. مع بداية هذا العصر الجديد بمنطقة الشرق الأوسط كانت أكثر العلاقات وطاده التي شكلتها تركيا بالمنطقة مع دولة قطر الشقيقة.

ومع اندلاع الربيع العربي، تبين أن الانسجام في توجه البلدين نحو السياسة الخارجية الإقليمية هو السبب الرئيسي في تحسن و توطد العلاقات بين البلدين. تجلى هذا التوافق والانسجام في صورة علاقات بين البلدين في المجالات العسكرية والاقتصادية و مجال الطاقة في السنوات التي تلت.

لقد أثبتت قطر أنها شريك و صديق وفي لتركيا من خلال مساندتها لها في أوقات الصعوبة و المحن و تقديمها دائماً للدعم المادي وغير المادي أيضًا للأخيرة، كما هو الحال في أزمة الطائرات التي واجهتها تركيا مع روسيا و في الفترة التي تلت محاولة الانقلاب في 15 يوليو.

كذلك يظهر التاريخ ان تركيا كانت أول من قدم يد المساعدة و العون إلى قطر في 5 يونيو 2017. و لتخفيف أثر الأزمة على دولة قطر الشقيقة، واصلت تركيا تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي إلى قطر منذ بداية الأزمة حتى نهايتها. إلى جانب ذلك، بينما كانت الأزمة بمثابة اختبار لتركيا لإثبات نفسها كشريك جيد لقطر كانت فرصة أيضاً لتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية.

تعاون على المستوى العسكري-الدفاعي

اُتخذت أولى خطوات التعاون العسكري بين البلدين بتوقيع اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين في عام 2007، وأعقب ذلك توقيع اتفاقية التعاون في مجال التدريب العسكري ومذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الصناعة الدفاعية في عام 2012. وتحول هذا التعاون العسكري إلى تحالف بالاتفاق الذي توصل إليه كلا من الطرفين في العاصمة التركية أنقرة في 19 ديسمبر 2014.

تعد "مذكرة التفاهم المشتركة بشأن إنشاء لجنة إستراتيجية عليا بين دولة قطر وجمهورية تركيا"، التي وقعها الرئيس أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، نقطة تحول في التعاون العسكري الدفاعي بين الطرفين. نص الاتفاق على إنشاء آلية من شأنها أن تمكن نشر القوات المسلحة التركية في قطر و أن تمكن  التدريبات و المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين و كذلك تعزيز التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية. (الجزيرة ترك ، 2015).

بموافقة مجلس النواب التركي على هذا الاتفاق في مارس 2015، تم اتخاذ الخطوة الأولى نحو تحقيق الجناح العسكري للاتفاقية في أكتوبر 2015 و تحقق ذلك ببدء إرسال شحنات عسكرية إلى قاعدة الريان بالعاصمة القطرية، الدوحة.

بعد إرسال الشحنات مباشرة، نفذت القوات المسلحة لكلا البلدين "مناورات النصر العسكرية" في قطر في الفترة ما بين 17-29 أكتوبر 2015. بعد فترة وجيزة من انتهاء المناورات أعلنت السلطات القطرية أنها كانت المناورات الأكثر نجاحًا على الاطلاق (التقرير السنوي لوزارة الشؤون الخارجية 2015).

بينما أُعلِن أن مهمة جنود قيادة العنصر البري للقوات المسلحة التركية المتواجده في ثكنة طارق بن زياد، التي تضم 150 جندي وعربة مصفحة، هي تدريب الجنود القطريين و تحسين المنشآت الدفاعية القائمة في قطر و مكافحة الإرهاب و المساهمة في تحقيق السلام بالمنطقة، ذكر أيضًا أنه يمكنهم الاستجابة للأزمات التي قد تنشأ في المنطقة (يتيم و عكان، 27).

في 28 أبريل 2016، تم التوقيع على "اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية" في الدوحة.

الأهداف الرئيسية للاتفاقية هي: تحديث المؤسسات العسكرية في قطر و تنويع أنواع التعاون القطري-التركي في مجال التعليم و التدريب العسكري و دعم تطوير القدرات والمرافق الدفاعية للقوات المسلحة القطرية من خلال عمل تدريبات وتنفيذ مناورات عسكرية و كذلك المساهمة في تحقيق السلام الإقليمي والعالمي من خلال هذه التدريبات و المناورات (اوزدان، وكالة الأناضول، 2017).

على الرغم من أن الموافقة على هذه الاتفاقية كانت بمؤخرة جدول أعمال البرلمان، إلا أنه تم طرح الموضوع مع ظهور أزمة قطر و  تمت مناقشة الاتفاقية والموافقة عليها في الجمعية العامة للبرلمان التركي بعد يومين من تاريخ تطبيق الحظر على قطر (مليت/Milliyet ، 2017).

حتى عام 2017، انخفض عدد الجنود في القاعدة من 150 إلى 94 و لكن تم زيادة عدد الجنود والمركبات خلال الأزمة.

بسعة 3000 جندي، تم تسمية أول قاعدة عسكرية تركية في الشرق الأوسط باسم قيادة القوات التركية القطرية المشتركة، في ديسمبر 2017. في إطار أعمال توسيع القاعدة، تم بناء قاعدة عسكرية ثانية بسعة 5000 جندي بجوار الثكنات في عام 2019. على الرغم من عدم وجود بيانات واضحة في الوقت الحالي حول عدد الجنود المتواجدين في القاعدة لحفظ الأمن و المصالح التركية، إلا أنه من المتوقع زيادة عدد الجنود المتواجدين بالقاعدة (فرات، حريت/Hürriyet، 2019).

أدى تكثيف العلاقات في المجال العسكري بين البلدين إلى العديد من الاتفاقيات في مجال الدفاع، وحدثت تطورات من شأنها تعزيز التعاون العسكري الدفاعي بين الطرفين في معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري (ديمدكس/DIMDEX، 2018) الذي عقد في قطر في 12-14 مارس 2018.

شاركت 33 شركة من شركات الصناعات الدفاعية التركية في المعرض  حيث قامت بالترويج لمختلف أنواع الأسلحة والمركبات، ووقعت شركات مثل TAIS و BMC و Baykar Makine اتفاقيات مهمة مع القوات المسلحة القطرية.

وقعت ترسانة الأناضول، أحد أحواض بناء السفن الخمسة التي تشكل شركة TAIS، عقدًا لبناء سفينتين حربيتين مسلحتين للبحرية القطرية (أكشام/Akşam، 2018)، بينما وقعت BMC أيضًا عقدًا مع جيش القطري يغطي إنتاج 85 مركبة مدرعة جديدة، 50 منها من طراز كيربي و 35 من طراز أمازون (عالم الدفاع/Defence World، 2018).

في إطار العقد المبرم مع Baykar Makine تم الإعلان عن انه سيتم تسليم ست منصات من طراز Bayraktar TB2 للمركبات الجوية و ثلاثة أنظمة ومعدات لمحطات التحكم الأرضية و كذلك مركبات جوية بدون طيار إلى قطر. وفقًا للعقد، بدأت عمليات التسليم الأولى في عام 2019 (جولف تايمز/Gulf Times ، 2019).

في عام 2019، تم إبرام اتفاقية تعاون دفاعي جديدة بين تركيا وقطر. تنص هذه الاتفاقية على بيع مرتقب لـ100 دبابة قتال رئيسية من طراز Altay إلى قطر و بهذا تكون قد قامت تركيا بتصدير أول دبابة محلية الصنعية (ديلي صباح/Daily Sabah ، 2019). ساهمت هذه الاتفاقيات الشاملة في المضي قدماً بالتعاون العسكري-الدفاعي بين قطر وتركيا إلى مراحل متقدمة.  

من بين جميع المكاسب المتعددة المترتبة على الاتفاقات العسكرية الدفاعية التي تم توقيعها بين الدولتين ربما كان المكسب الأهم لتركيا هو عودتها عسكرياً إلى منطقة الخليج العربي بعد غياب طال 100 عام و كذلك إثبات وجودها دولياً.

 

أضف تعليق