إشعاع نووي في سماء فرنسا يذكر بتفجيراتها في الجزائر (تقرير)

ـ الباحث الفرنسي بيير باربي: الرياح التي شهدتها فرنسا مؤخرا حملت إشعاعات نووية من صحراء الجزائر
ـ فرنسا أجرت 17 تجربة نووية بالجزائر بين 1960 و1966 وترفض الكشف عن أماكن مخلفاتها النووية وتعويض الضحايا
ـ المؤرخ عامر رخيلة: دراسات أكاديمية أكدت أن آثار جرائم فرنسا النووية ستمتد لملايين السنين لتمس إفريقيا وآسيا وأوروبا
ـ الباحث رابح ظريف: أستغرب صمت المجتمع الدولي وعلى السلطات الجزائرية رفع مستوى الضغط الدولي ضد هذه الجرائم النووية

من الصحراء الجزائرية هبت على فرنسا رياح رملية محملة بإشعاعات نووية، لتنضم الطبيعة إلى من يلاحقون باريس جراء جرائمها النووية خلال استعمارها للجزائر (1830 ـ 1962).

فقبل أيام، قال بيير باربي، الباحث في جامعة "كان" الفرنسية، إن "الرياح التي شهدتها فرنسا مؤخرا حملت معها إشعاعات نووية، وقدمت من صحراء الجزائر"، وفق ما نقله موقع "فرانس بلوس".

وأضاف باربي، وهو خبير في الحماية من الإشعاعات النووية، أن "سماء فرنسا كانت مغطاة بلون برتقالي بسبب رمال الصحراء التي جلبتها الرياح".

وذكرت هيئة الطقس الفرنسية (حكومية) أن "الضغط المنخفض في شبه الجزيرة الإيبيرية تسبب بتيارات هوائية قوية من الجنوب جلبت الرمال من الصحراء إلى فرنسا"، بحسب إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية.

وتابعت أن "وجود الرمال في الأجواء أعطى لونا أصفر برتقاليا للسماء في جنوب فرنسا وشرقها ووسط شرقها".

فيما أفاد باربي بأن الرمال تحتوي على مادة "السيزيوم 37" المشعة، وهي تعود إلى بداية ستينيات القرن الماضي، عندما أجرت فرنسا تجارب نووية في صحراء الجزائر.

وأوضح أنه "تم التوصل إلى هذه النتائج بعد تحليل عينة من الغبار جُمعت من مناطق شابيل دوبوا بجبال جورا (بين فرنسا وسويسرا والنمسا) بداية فبراير (شباط) الماضي".

وزاد بأن مادة "الـسيزيوم 37" المشعة لديها فترة زمنية فيزيائية مقدرة بـ30 عاما، ثم بعدها تبدأ في فقدان نصف نشاطها الإشعاعي.

تجارب كارثية

وفي 13 فبراير الماضي، أحيت الجزائر الذكرى الـ61 لأول تجربة نووية فرنسية في منطقة رقان بالصحراء عام 1960، في عملية سُميت "الجربوع الأزرق".

وقال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، إن "التفجير النووي الفرنسي كان بقوة 70 كيلوطنا، وهو ما يعادل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما (اليابان ـ 1945)".

وأضاف بوقادوم، في تغريدة عبر تويتر: "وكان لهذا الانفجار تداعيات إشعاعية كارثية".

وأجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية 17 تجربة نووية في صحراء الجزائر، بين 1960 و1966، وفق مؤرخين.

واستمرت التجارب النووية حتى بعد استقلال الجزائر، عام 1962، كما استمر وجود 85 ألف جندي فرنسي لفترة.

ورسميا وشعبيا، لا تزال الجزائر تطالب فرنسا بالكشف عن أماكن مخلفاتها النووية لمعالجة الأمر فنيا، وتعويض الضحايا، وهو ما ترفضه باريس.

تهديد 3 قارات

ووفقا لـعامر رخيلة، مؤرخ جزائري، فإن "فرنسا، وفي إطار سعيها لتكون عضوا في نادي الدول النووية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، بدأت القيام بتجارب بيولوجية، تحت مسمى تجارب علمية".

وأضاف رخيلة للأناضول: "منذ 1945، كثّفت فرنسا جهودها لإنتاج قنبلة نووية مستفيدة من عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو، تأسس في 1949)، وتلقت مساعدات إنجليزية".

وتابع: "تلتها منتصف 1950 مساعدات إسرائيلية، بمباركة أمريكية، حتى تمكنت يوم 13 فبراير 1960 من القيام بتفجيرات نووية جنوبي الجزائر".

وأوضح أن "فرنسا استمرت في تنفيذ تفجيرات نووية في الجنوب الجزائري، لغاية 1966، تحت عنوان تجارب علمية.. وتواصلت التجارب البيولوجية إلى ديسمبر/ كانون الأول 1978".

ولفت رخيلة إلى أن "كل ما ورد في اتفاقيات إيفيان بين فرنسا والجزائر هو التجارب والبحث العلمي ولم تُذكر التفجيرات النووية".

وزاد بأن "التقارير الفرنسية السرّية، المعلنة بداية القرن الحالي، وشهادة جزائريين من أبناء الجنوب، كشفت أن القوات الاستعمارية، التي أشرفت على التفجيرات، استعملت أسرى جزائريين فئران تجارب للانعكاسات التي تتركها أشعة النووي على الإنسان ومختلف أنواع الحيوانات".

وشدد رخيلة على أن "الجريمة كانت بشعة عبر آثارها المباشرة، وأثبتت السنوات أنها مستمرة".

وأردف: "مئات المواليد ولدوا مشوهين، والكثير من الأصحاء أصبحوا عرضة لأمراض مزمنة، فضلا عن الآثار على النباتات والمياه السطحية والجوفية".

وأفاد بأن "الدراسات الأكاديمية أكدت أن آثار جرائم فرنسا النووية بين 1960 و1966، لا تتوقف في الحدود الجزائرية، بل ستمتد، وعبر ملايين السنين، لتمس إفريقيا وآسيا وأوروبا".

واستطرد: "هذه القارات الثلاث ستظل عرضة للإشعاعات النووية، وستلعب الرياح الدور الرئيس في سحب الإشعاعات التي ستبقى تسبح في الفضاء لملايين السنين بحسب العلماء".

وذكر رخيلة أن "الدكتور في جامعة وهران الجزائرية (حكومية)، كاظم عبود العراقي، أكدّ ذلك في إحدى دراساته عن الجرائم النووية الفرنسية في صحرائنا".

واعتبر أن "ما ذكره الفرنسي بيير باربي يثبت كلام المختصين الذين لم يستثنوا فرنسا وأوروبا من تداعيات جرمها في حق الجزائريين وأرضهم.. وهكذا تصدق مقولة انقلب السحر على الساحر".

ضغط جزائري

أما رابح ظريف، وهو باحث وسيناريست مختص في السينما التاريخية، فقال للأناضول، إنه "يجب التفريق بين التصريحات الرسمية الفرنسية، التي لا تعترف بجرائم باريس، وبين تصريحات معزولة لباحثين ومؤرخين فرنسيين".

وتابع أن "الباحث بيير باربي وغيره ممن تطرقوا إلى حقيقة ما حدث إبّان الحقبة الاستعمارية هم عبارة عن أصوات غير معترف بها في منظومة فرنسا الكولونيالية (الاستعمارية)".

وأضاف: "الحقيقة الواضحة هي أنّ فرنسا تصرّ على عدم الاعتراف بتلك الجرائم التي ستظل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء".

واستطرد: "لن أعود إلى خطورة تلك التفجيرات النووية التي فاقت قوتها تفجيرات هيروشيما وناكازاكي باليابان، لكن أستغرب صمت المجتمع الدولي الذي يتعامل ببرودة مع هذه الجريمة".

وتابع: "وهذا ما يؤكد وجود تواطؤ وصمت غريب إزاء جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهو صمت غير مفهوم تماما، لكون الاستعمار يحاول تغيير ثوبه وآلياته في كل مرّة".

وقال ظريف إنه على "السلطات الجزائرية رفع مستوى الضغط الدولي ضد هذه الجرائم".

واعتبر أن "التصريحات وحدها غير كافية، ما لم تكن هناك خطوات كبيرة لكسر كبرياء فرنسا الكولونيالية، التي تتجاهل إلى اليوم الآثار النفسية والجسدية لتفجيراتها النووية".

وبجانب جريمة التجارب النووية، تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن فترة الاستعمار الفرنسي شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب للثروات‎.

المصدر: وكالة الأناضول

أضف تعليق