السودان وإثيوبيا.. هل تعلو رائحة البارود؟

في خطين متوازيين تسير تصريحات تصعيدية وأخرى للتهدئة بين الخرطوم وأديس أبابا بشأن نزاع حدودي، عقب انتشار الجيش السوداني في أراضي منطقتي "الفشقة الكبرى" و"الفشقة الصغرى" المتاخمة للحدود مع إثيوبيا.

حاليا، يبدو الوضع هادئا على الحدود، فلم تحدث مناوشات عسكرية بين الجارتين خلال الأيام القليلة الماضية. لكن لاتزال الحشود العسكرية للدولتين مستمرة على طرفي الحدود، بحسب مسؤولين في الطرفين.

وفي أي لحظة، وفق محللين، قد ينزلق الوضع إلى حرب، فالخرطوم وأديس أبابا تتمسكان بمواقفهما وتتبادلان الاتهامات أحيانا بتعدي كل طرف على أراضي الآخر.

** رفض الحرب

في اليومين الماضيين، لجأ مسؤولو البلدين إلى خفض لغة التصعيد، التي سادت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، حيث ظهرت أحاديث الدبلوماسية وعدم الرغبة في الحرب.

وقال رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، خلال فعالية لدعم الجيش بالخرطوم السبت، إن "السودان لا يريد حربا مع الجارة إثيوبيا، وليس لديه أي مصلحة في محاربة أي دولة من دول الجوار".

وشدد على رغبة بلاده في التوصل إلى حدود تحفظ له حقوقه، ويتم فيها وضع العلامات علي الأرض.

في اليوم نفسه، قال قائد الجيش الإثيوبي برهانو جولا، في تصريح صحفي، إن "أديس أبابا لن تتورط في حرب مع الخرطوم".

فيما أعلن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، الأحد، موافقة الخرطوم على مبادرة رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، للتوسط بين السودان وإثيوبيا بشأن الحدود.

وتجدد الخلاف الحدودي بين البلدين إثر تطورات عديدة ملفتة، انطلقت شرارتها بهجوم مسلح استهدف قوة للجيش السوداني في جبل "طورية" (شرق)، منتصف ديسمبر/ كانون أول الماضي.

والنزاع في منطقة "الفشقة" الحدودية قديم، لكنه ظل بين مزارعين إثيوبيين وسودانيين، حيث يهاجم مسلحون إثيوبيون مزارعين سودانيين بغرض السلب والنهب، وكثيرا ما سقط قتلى وجرحى، وفق الخرطوم.

وتتميز أراضي "الفشقة" السودانية بخصوبتها الزراعية، وهي مقسمة إلى ثلاثة مناطق، هي: "الفشقة الكبرى" و"الفشقة الصغرى" و"المنطقة الجنوبية".

ويتهم السودان الجيش الإثيوبي بدعم ما يصفه بـ"المليشيات الإثيوبية"، وهو ما تنفيه أديس أبابا، وتقول إنها "جماعات خارجة عن القانون".

وأعلنت الخارجية السودانية، في 31 ديسمبر الماضي، سيطرة الجيش على كامل أراضي بلاده الحدودية مع إثيوبيا.

لكن وزير الدفاع السوداني، يس إبراهيم يس، ناشد إثيوبيا، الأحد، سحب قواتها مما قال إنها "مواقع لا زالت تحتلها".

بينما اتهم السفير الإثيوبي لدى الخرطوم، بيتال أميرو، في 13 يناير/ كانون ثاني الجاري، الجيش السوداني بالاستيلاء على 9 معسكرات داخل أراضي إثيوبيا، منذ نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي.

** الحسم العسكري

وبالرغم من ارتفاع صوت العقل بين مسؤولي البلدين بشأن رفض فكرة الحرب، إلا أن أحاديثهم، وفق محللين، تخللتها لغة مبطنة تفيد بإمكانية أن يمضي كل طرف بقوة نحو الحسم العسكري.

وعقب اجتماع لمجلس الأمن والدفاع في الخرطوم (أعلى هيئة أمنية)، قال وزير الدفاع السوداني، السبت، إن إثيوبيا تقوم بتعبئة وحشد عسكري "في المناطق المواجهة لقواتنا في (منطقة) الفشقة (شرق)".

وأضاف: "نؤكد أن قواتنا ستظل باقية في أراضيها، حفاظا على السيادة التي نصت عليها المواثيق والاتفاقيات، التي تؤكد أحقية السودان لأراضي الفشقة".

فيما قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، الإثنين، إن "عرض السلام على الذين يخترقون الحدود، وإظهار المحبة لمن يتحدون البلد، واختيار المسار الدبلوماسي مع الغزاة، لا يعتبر ضعفا، بل هو رمز للقوة والتواضع والصبر".

** مشاكل داخلية

وطالما لا تزال الحشود العسكرية مستمرة على جانبي الحدود بين البلدين، فإن كل الاحتمالات واردة، بما فيها الحرب.

وقال المحرر العام بصحيفة "السوداني" (خاصة)، عمرو شعبان، للأناضول، إن "هناك ما يشبه الاتفاق السياسي والعسكري بين البلدين، بحيث يوظف كل منهما دواعي الحرب لمواجهة شأنه الداخلي".

وأوضح أن "آبي أحمد يبحث عن تماسك جبهته الداخلية وتقليل حدة التوتر في إقليم تيجراي (الحدودي مع السودان)، عبر تبني فكرة العدو الخارجي".

ومنذ 4 نوفمبر الماضي، شهد الإقليم مواجهات عسكرية بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، وتفيد تقارير إعلامية وشهادات سكان بأنها لا تزال مستمرة، بالرغم من إعلان أديس أبابا انتهائها.

وتابع: "أما الخرطوم فهناك تواطؤ بين المدنيين والعسكر (طرفي السلطة الانتقالية) للانحناء أمام عاصفة المطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته وإعادة هيكلته وأيلولة مؤسساته الاقتصادية إلى وزارة المالية".

وتلك هي مطالب "القوى الثورية"، وأبرزها تجمع المهنيين والحزب الشيوعي، التي قادت احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية، ما دفع قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان 2019 إلى عزل عمر البشير من الرئاسة (1989: 2019).

ورأى شعبان أن "السلطة الانتقالية تريد أن تصرف النظر عن تلك المطالب بإعادة إنتاج حرب خارجية لإسكات أي أصوات معارضة لوجود الجيش في الساحة السياسية".

وقال إن "العامل الذي يمكن أن يساهم في اندلاع الحرب من قبل السودان، هو وجود عناصر موالية للنظام البائد (البشير) في السلطة والجيش، وهي قد تدفع الأمور نحو الحرب، وحينها ستجد إثيوبيا أنه لا مفر من حرب ضد السودان".

** نزاع محدود

مقابل احتمال انزلاق الخلاف الحدودي إلى حرب، يستبعد محللون أن يذهب البلدان بعيدا في ظل أوضاعهما الداخلية الراهنة.

وقال أنور سليمان، محلل سياسي، للأناضول، إنه "ليس هناك نذر حرب شاملة بين البلدين، فهو مجرد نزاع حدودي محصور في نطاق محدد، ويمكن تجاوزه بمعالجة تفسيرات المصطلحات القانونية طالما توجد اتفاقيات بين البلدين في 1974 و1902".

وأردف: "مجرد سوء تفاهم واختلاف في استخدام المصطلحات القانونية (بين الترسيم والتحديد ووضع العلامات على الأرض)، فالحدود فيما يخص الخطوط والإحداثيات على الخرائط، متفق عليها، والخلاف ناتج عن عدم إنزال تلك الخرائط على الأرض".

واستطرد: "بالإضافة إلى نشاط المليشيات الإثيوبية واعتدائها على سكان المنطقة (الفشقة)، وتراخي السلطات السودانية في السابق وإهمالها للمنطقة وتساهلها مع التعديات وسامحها للإثيوبيين باستغلال المنطقة زراعيا".

ورأى سليمان أن "في الغالب تمثل الحدود عرض لأزمة أعمق، ولا يُستبعد في حالة الفشقة أن تكون هناك جهات داخل إثيوبيا جبهة تيجراي مثلا، تسعى لتوتير المنطقة، عبر شن هجمات على عناصر القوات السودانية وسكان المنطقة لإحراج الحكومة الإثيوبية وتشتيت جهودها".

وأضاف: "كما لا يُستبعد أن تكون هناك جهات داخل السودان تسعي إلى افتعال نزاع محدود لتحسين مركز أحد أطراف العملية السياسية الانتقالية، المكون العسكري مثلا".

وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/ آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وائتلاف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي.

ولا يستبعد سليمان أن "تنظر الحكومة الإثيوبية إلى هذا التوتر على أنه عامل يمكن أن يخدمها لتعبر سريعا حالة الانقسام التي خلفتها حرب تيجراي والتوترات العرقية في بقية المناطق".

واستدرك: "لكن كل هذه التكهنات لا تخرج عن كون النزاع توتر محدود لن يتجاوز اشتباكات على نطاق جغرافي ضيق".

المصدر: وكالة الأناضول

 

 

أضف تعليق