لم تعد حكراً على فرنسا.. كيف حجزت الأسلحة التركية مكانها في إفريقيا؟

بعد أن كانت ساحة للأسلحة الفرنسية، نفضت القارة الإفريقية التراب عن نفسها وأصبحت تبحث عن خيارات أفضل تحت قواعد وشركات تحترم سيادتها، وهو ما وجدته مع تركيا التي تتعامل مع دول إفريقيا بقاعدة "اربح-اربح"، وظهر ذلك جلياً في الصفقات العسكرية التركية.

انتهجت تركيا منذ عقود سياسات دفاعية جديدة للحد من اعتمادها على الخارج من أجل تسليح قواتها العسكرية، وكان حظر الأسلحة الذي طبقته الولايات المتحدة الأمريكية برفقة دول أوروبية على تركيا إبان مشاركة الأخيرة في حرب تحرير قبرص عام 1974 بمنزلة الشرارة الأولى لانطلاق البرنامج الوطني الخاص بالصناعات الدفاعية بإمكانيات وطنية.

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تخطو تركيا خطوات سريعة وملموسة في مجال التصنيع الحربي المحلي، لتتحول تدريجياً من الاعتماد الكامل على الخارج إلى الاكتفاء ومن ثم إلى التصدير عالمياً، ونتاجاً للجهود المبذولة من الحكومة التركية من خلال تشجيع الشركات على الاستثمار في برامج البحث والتطوير دخلت 7 شركات دفاعية تركية قائمة أفضل 100 شركة صناعة دفاعية في العالم بحسب المجلة الأمريكية (Defense News Top 100) لعام 2020.

وبعد أن كانت فرنسا، صاحبة النفوذ الأكبر سياسياً وعسكرياً في القارة السوداء، واستغلت ذلك للسيطرة على الحصة الكبرى في سوق صادرات الأسلحة لدول القارة، قدمت تركيا نفسها لإفريقيا بطريقة مختلفة وانطلاقاً من قاعدة "اربح - اربح" والتعاون المبني على الاحترام المتبادل لسيادة الدول ودعم رفاهيتها واقتصادها والتأسيس للتعاون الدفاعي بما يصب في مصالح الطرفين، وهو ما فتح عهداً جديداً في العلاقات التركية الإفريقية وصعوداً متواصلاً للعلاقات التركية الإفريقية مقابل التراجع المتسارع للعلاقات الإفريقية الفرنسية.

صادرات تركيا من الأسلحة.. أرقام وحقائق

وحققت تركيا قفزات ملحوظة في صادرات الصناعات الدفاعية، إذ بلغت صادراتها 2.2 مليار دولار عام 2018، بنسبة زيادة بلغت17% عن العام السابق، وتزايدت إلى 3 مليارات دولار بنهاية عام 2019، وهو الرقم الذي أهّل أنقرة لتشغل المرتبة رقم 14 بين العواصم الأكثر تصديراً للأسلحة في العالم، وفق تقرير "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "، الذي أشار كذلك إلى أن صادرات الأسلحة التركية ارتفعت بنسبة 170% خلال السنوات العشر الماضية.

وفي عام 2019 وصلت المدخولات المباشرة من الصناعات الدفاعية والجوية إلى 10 مليارات و884 مليون دولار، حيث بلغت حصة التصدير 3 مليارات و38 مليون دولار، واستُثمر مليار و672 مليون دولار من هذه المدخولات على برامج البحث والتطوير، فيما يعمل أكثر من 73 ألف شخص في مجمل شركات الصناعات الدفاعية التركية.

ولا تقف الطموحات التركية عند هذا الحد، بل تهدف أنقرة إلى رفع سقف صادراتها الدفاعية والفضائية إلى 25 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2023، مدعومة بجهود حثيثة تبذلها الشركات التركية لتطوير أنظمة دفاعية وأسلحة موجهة دقيقة.

وتهدف تركيا بحلول عام 2023 إلى زيادة إيرادات قطاع الدفاع التركي إلى 26.9 مليار دولار، وزيادة الصادرات إلى 10.2 مليارات دولار، وتلبية 75% من الاحتياجات العسكرية للبلاد محلياً في 2023، مقارنة بـ65% في 2018.

ووضعت تركيا لنفسها هدفاً استراتيجياً بحلول عام 2053، حيث تسعى لجعل الصناعات الدفاعية التركية مستقلة بنسبة 100%، فضلاً عن إدخال 10 شركات تركية قائمة أكبر 100 شركة دفاعية في العالم، وزيادة قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار.

مدرعات تركية إلى إفريقيا

تصدر تركيا المركبات القتالية المدرعة التي تطورها شركات الصناعة الدفاعية المحلية إلى جميع أنحاء العالم، وتلاقي هذه المنتجات استحساناً وقبولاً عالميين، فضلاً عن مساهمتها بشكل كبير في عمل قوات الأمن في إفريقيا.

وحققت المركبات القتالية المدرعة التي تطورها شركات الصناعة الدفاعية التركية نجاحات تصدير جديدة إلى بعض دول إفريقيا، بعد أن فازت شركة "قطمرجيلار" التركية للصناعات الدفاعية بمناقصة طرحتها الحكومة الكينية لتصدير 118 مدرعة من نوع "خضر" إلى البلد الإفريقي.

وتعمل المدرعة "خضر" بمحرك هجين يسير بالوقود والكهرباء جرى تطويره وتصنيعه بالتعاون بين شركة "أسيلسان" التركية المتخصصة في الصناعات الإلكترونية العسكرية وشركة "قطمرجيلار" التركية للصناعة العسكرية.

وفي حديثه لوكالة الأناضول، قال فرقان قطمرجي، وكيل رئيس مجلس إدارة شركة "قطمرجيلار"، إن المناقصة تتضمن تصدير مدرعات رباعية الدفع ذات عجلات إلى كينيا، وأضاف أن هذه المناقصة تأتي في إطار توسيع شركته أنشطتها في القارة الإفريقية، وفي نهاية حديثه أشار إلى ازدياد الإقبال الإفريقي على المدرعات التركية، وأفاد بأن كينيا ثالث بلد إفريقي يستورد المدرعات التركية، مبيناً أنهم يهدفون لتسليم البلد الإفريقي المدرعات الـ118 خلال عامين.

ولغاية الآن نجحت تركيا في تصدير مئات المركبات القتالية المدرعة لبعض الدول الإفريقية، فقد صدرت تركيا في وقت سابق المدرعة التركية المضادة للألغام من طراز "كيربي" إلى تونس، كما تبرعت تركيا العام الماضي بمدرعات "كيربي" للجيش الصومالي في حفل نظمته سفارة تركيا في الصومال.

طائرات مسيّرة تركية إلى إفريقيا

عقب النجاحات الهائلة التي حققتها المسيّرات التركية في أكثر من ساحة صراع خاضها الجيش التركي، بدءاً بتخطيها للحظر الجوي المفروض في الشمال السوري، وعملها ضمن مجموعات لقصف وتدمير الأهداف العسكرية للنظام السوري في مدينة إدلب ومحيطها، مروراً بما أظهرته في ليبيا من كفاءة عالية في التصدي لهجوم قوات خليفة حفتر، وتمكنها من قلب سير المعركة وفك الحصار عن العاصمة طرابلس، وانتهاءً بالخسائر الفادحة التي ألحقتها بصفوف ومعدات الجيش الأرميني، في إقليم قره باغ الأذربيجاني، ازدادت طلبات الشراء من أجل اقتناء هذه التقنية التركية من دول إقليمية وأوروبية، بالإضافة إلى دول عربية إفريقية.

ونهاية العام السابق، أعلنت وزارة الدفاع التونسية أنها وقَّعت عقداً مع شركة توساش للصناعات الدفاعية التركية من أجل شراء طائرات مسيّرة من نوع "عنقاء"، حيث بلغت قيمة الصفقة 80 مليون دولار أمريكي، وشملت الاتفاقية تسليم 3 طائرات مسيّرة من هذا النوع و3 محطات تحكُّم أرضية، بالإضافة إلى تدريب 52 من أفراد القوات الجوية التونسية.

وقبل شهرين، تحدثت تقارير صحفية عن تحركات مغربية لشراء مجموعة من الطائرات المسيّرة تركية الصنع، حيث نقل موقع "لوديسك" المغربي طلب القوات المسلحة الملكية لشراء 13 طائرة من دون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2" ومعداتها الأرضية من تركيا، وذلك من أجل تعزيز مكانة المغرب في ميزان القوى العسكرية مع الجزائر والبوليساريو خاصة.

آفاق تعاون أوسع

يأتي هذا التطور في تصدير الأسلحة التركية لدول القارة الإفريقية عقب التطور السياسي الذي انتهجته تركيا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية خلال العقدين الماضيين في تعزيز علاقاتها مع دول القارة، وقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال هذه الفترة بزيارة أكثر من 30 دولة إفريقية، ليصبح بذلك أكثر رئيس زيارة للقارة الإفريقية.

والانفتاح على القارة الإفريقية تم عبر خطط استراتيجية طويلة الأمد، حيث قامت الخطوط الجوية التركية بالربط بين تركيا ودول القارة الإفريقية عبر 50 مساراً جوياً مختلفاً، وارتفعت قيمة التجارة البينية بين الطرفين لنحو 23 مليار دولار، يُخطط لرفعها إلى 50 مليار دولار في وقت قريب، كما تنشط المنظمات الإنسانية التركية في مساعدة المحتاجين في دول القارة الإفريقية.

وقبل أيام، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إن تركيا افتتحت سفارة لها في توغو في أبريل/نيسان الماضي، ليرتفع عدد سفاراتها في إفريقيا من 12 في عام 2002، إلى 43 حالياً، لافتاً إلى أن العدد سيبلغ 44 مع افتتاح سفارة في غينيا بيساو قريباً، في المقابل تستضيف العاصمة التركية أنقرة 35 سفارة لدول إفريقية.

المصدر: تي أر تي عربي

أضف تعليق